الحراقات البدائية وأضرارها البيئية،،

تعتبر الطريقة المستخدمة في تكرير النفط الخام ضمن حراقات ديرالزور . من الطرق البدائية والمضرّة جداً. إضافة إلى أنها تسبب ضياع نسبة كبيرة من المواد النفطية بدون فائدة وتقدّر بـ 25 بالمئة. كما أنه عادةً لا تعمل على فصل المواد النفطية بالشكل السليم.
يقول أبو جاسم. وهو صاحب إحدى الحراقات في منطقة الشهابات بريف ديرالزور الغربي : “يتم طبخ الفيول ضمن الحراقات بشكل شبه يومي. وأولى المواد الناتجة هو البنزين. ثم الكاز، ثم المازوت القرح ويليه المازوت الزهرة
وأخرها المازوت الأحمر. وما يتبقى يتم تحويله لفحم. بينما لا يتم استخراج الغاز لعدم القدرة على ذلك بهذه الطريقة”.
تزايَد أذى مصافي تكرير النفط البدائية في سوريا، وتواترت الأنباء من أهل الشمال السوري أن ضرره على صحة الإنسان والحيوان صار حتمًا بمرض عاجل أو موت آجل.
والمتخصصون يؤكدون أن أضرارها البيئية بالغة الأثر، ممتدة المفعول عبر عقود.

يطلق الأهالي على هذه المصافي ’حراقات النفط‘، وانتشارها بالمناطق غير الخاضعة للنظام في الشمال السوري آخذٌ في النمو من ناحية العدد والحجم وعدد ساعات العمل؛ تلبيةً لزيادة الطلب على المحروقات لأغراض التدفئة والطهو وإدارة المركبات.
من ثم، فإن الآثار السلبية على البيئة والصحة في ازدياد، إذ مع إنتاج الحراقة لثلاثة مشتقات؛ ’متدنية الجودة‘ هي الجازولين والكيروسين والمازوت، تتصاعد أدخنة تضر القاصي. وأبخرة مؤذية قد تسمم الداني. فضلًا عن راوئح كريهة تنغص حياة البشر، يشهد شمال وشرق سوري أزمة محروقات تنعكس على حياة الناس، وبما أننا لا نستطيع أن نأتي بالوقود من مناطق سيطرة النظام، نحن مضطرون إلى تكريره هكذا لتأمين حاجة السوق المحلية“.
يُجلب للحراقات النفط الخام من الآبار وتقوم كل حراقة بنحو ١٠ عمليات تكرير شهريًّا، تحتاج الواحدة منها إلى إيقاد النار تحت خزان الحرق لمدة ١٦ ساعة على الأقل، فيتحول ٨٠% من الخام إلى وقود، وأغلب الباقي من الشوائب والنفايات تتصلب، فيباع ما يصلح منه ليستخدمه الأهالي في التدفئة، والبقية تُكب“.
انتشرت الحراقات منذ عام ٢٠١٣ في دير الزور ومناطق من الحسكة وريف حلب وتقتصر آلية التكرير على تسخين خزان سعته ١٠ آلاف لتر، بحرق النفط الخام نفسه تحته، أو إضرام النار في إطارات السيارات القديمة.

ويشرح أحد صاحبي الحراقات: يسخن النفط. لتبلغ حرارته ١٥٠ درجة مئوية، فيبدأ الخام بالتبخر. وتخرج منه أولًا أبخرة البنزين، مارةً داخل مواسير معدنية طويلة مغمورة في بركة ماء بارد؛ ليعاد تكثيفها. فتصل سائلةً عند نهايتها
. ليُستقبل الوقود في أوعية،. وبعدها يُستخلص الكيروسين عند درجة حرارة أعلى. وأخيرًا يأتي المازوت لدى أعلى حرارة“.
خلال العملية تتصاعد أكاسيد النيتروجين والكبريت والكربون، وغاز كبريتيد الهيدروجين، وغيرها من الغازات الضارة والأبخرة السامة. وهذه إما أن تعود إلى التربة عند هطول المطر على هيئة أحماض أكالة، تؤذي الغطاء الأخضر القريب وربما البعيد، أو تكسوه فتعمل عملها بالتلويث. مهلكةً الحرث بالذبول واليبوسة. ومحولةً لون أوراق النباتات الخضر إلى السواد.
ولا تخطئ عينٌ صعوبةَ تنفُّس العاملين بالحراقات، وحشرجة صدورهم وهي تعلو وتهبط في جهد ومعاناة، ناهيك بالسعال الذي يلازمهم. وشأن أهل جوار الحراقات شأن العمال.
هؤلاء العمال يغامرون بأرواحهم كما بصحتهم؛ فخطر انفجار الحراقة بأكملها قائم، إذ تفتقر إلى أي إجراء سلامة أو أمن، وتفتقر إلى أية معايير تقنية أو علمية، وقد حدث هذا عدة مرات،
رغم الخطر تجد الحراقات عمالًا؛ إذ يعمل في كل حراقة ستة، كما يبين محمد رضا، من قرية شهابات ريف ديرالزور الغربي ، والذي كان عاملًا في إحداها. وترك العمل بها بعد إصابته بالربو التحسسي.
يقول الرضا: ”الفقر وقلة الفرص دفعاني إلى ذاك العمل كي أعول عائلتي“.
ويستطرد: ”أصعب الأعمال هو تنظيف الخزان وإزالة الشوائب العالقة بقاعه وجدرانه، التي تتكاثف عليها السموم جدًّا، ولا يسعنا إلا ارتداء كمامة، لا تحمينا من مخاطر كبيرة“.
وإذا كان محمد رضا قد تمكَّن من تلافي شيء من الضرر بتوقُّفه عن العمل، فإن آخَرَ هو العامل أ، من بلدة قضى نحبه مختنقًا بغازات سامة انبعثت عن عملية التكرير.

إعداد إبراهيم الحسين

تحرير تيماء العلي

لمشاهدة الفيديو على قناتنا على اليوتيوب عبر الرابط التالي:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.