سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
هناك مقولة انتشرت في سوريا تقول:ببلاش أُعطيكَ تعليماً بائساً يائساً مؤدلجاً ومتخلّفاً، فتعطيني أجيالاً من شباب الفوضى والطاعة والتراجع في كلّ المجالات، أجيالاً درست تاريخ العلوم وتاريخ الطبّ وتاريخ القانون وتاريخ الهندسة واللغات والآداب والتكنولوجيا والفنون، تاريخ كلّ شيء لا يمتّ إلى الحال والواقع العملي بصلة سوى بالاسم: هذه كلّية كذا وهذا قسم كذا وذا “ليسانس” كذا وذاك “ماجستير” كذا، أسماء إشارة لا غير، تشير إلى شهادات لا يعني محتواها شيئاً، ولم تُنتج شيئاً، وما أفلح أصحابها في الحياة أو أضافوا قيمة بهذه الشهادات أو من خلالها أو بسببها أو جعلوها أصلاً ذات قيمة سوى بطريقين:
إمّا بالتعب والجهد والعناية الذاتية لتطوير علومهم ومعارفهم ومهاراتهم وهذا يستدعي وجود الذكاء الفطري غالباً إذ لا بيئة تمكّن من اكتسابه، كما ويستدعي توفّر الظروف المواتية والإرادة القوية،
وأمّا الطريق الآخر فهو الخروج كلّياً من هذا البرنامج التعليمي المتخلّف ومن البلد الذي أُنتِج فيه، بلد نظام العروبة والمقاومة والبعث الصامد إلى بلاد وبيئات أُخرى يمكن فيها تحقيق نتائج مقبولة وحيوات شبه طبيعية وليست طبيعية بالكامل، إذ لا يحيا إنسان بشكل طبيعي بعد أن قضى الجزء الأهمّ من عمره في وطن ليس طبيعياً، وسيظلّ يفتقده دائماً.
هذا الافتراض موجّه لمن يصرّ على أنّ التعليم كان مجّانياً في سوريا بالفعل، وافتراض أنّه كان كذلك يشبه بشكل ما -وحاشا السوريين الأحرار والأبرياء- من يعطي خادمه ملابس بالية غير صالحة للاستعمال ويقول له: هذه هدية منّي، وفي الحقيقة لا هي هدية ولا شيء، بل من قوت الخادم ومن تعبه وكدّه وشقائه ونكده، ولو كانت جديدةً يمكن استعمالها بالفعل، أو مفيدةً يمكن أن تسدّ حاجةً أو تؤدّي غرضاً، لكان ذلك أهون، أمّا ولِقاء الشقاء إهانة وازدراء.
ومن أبرز الأدلة على إفشال التعليم في سوريا هو تعيين طبيبا بيطريا وزيرا للتعليم.
حيث بداية 2022 قال الطبيب البيطري “دارم الطبّاع” وزير التربية في حكومة أسد: إنّ التعليم في سوريا يتميّز بنقاط قوّة أسهمت برفع مؤشّرات نموّه وتطوّره من جهة النوعية والجودة، إضافةً إلى أنّه “مجّاني”، هكذا قال، وصرّح هو ومعاونه وآخرون من أمثالهما ممّن يقودون بشِدّة -بل بشَدّة على “الواو”- عن أرقام دقيقة لما تصرفه العائلة المانكة على أولادنا في كلّ سنوات ومراحل التعليم، أرقام مهولة وصادمة، فوزارة التربية حسب ما قالوا تنفق ثلاثمئة وتسعين ملياراً وأربعمئة وخمسين مليون ليرة سورية وبالرقم 390,450,000,000 ل.س على التعليم في سوريا سنوياً، ما يعادل خمسة وثمانين مليون دولار أمريكي وبالرقم 85,000,000 دولار، وإن صحّت هذه الأرقام وصدّقناها أو لا، وبعيداً عن إدلب ومناطق النفوذ والسيطرة التركية وعن الإدارة الذاتية ، فمن المتوقّع أنّ عدد السوريين الذين ظلّوا طوعاً أو كرهاً تحت ظلّ النظام السوري قد يصل في أفضل تقدير إلى اثني عشر مليون سوري ثُمْنهم على أقلّ تقدير وأبخسه طلّاب في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، أي إنّنا نتحدّث عن مليون ونصف مليون طالب في الابتدائية والإعدادية والثانوية، ولنقل مليوناً، أي من كلّ اثني عشر سورياً في مناطق النظام يوجد طالب واحد، ولا نتحدّث عن جامعات، فالحديث أصلاً لوزير
التربية والطبيب البيطري وليس لوزير التعليم العالي في النظام ، وبهذا تكون حصّة كل تلميذ أو طالب من المبلغ الإجمالي الذي تتفضّل به النظام على أولادنا السوريين الذين يدرسون في مدارس البعث وتشرين والثورة وفلسطين: 85 مليون دولار مقسومة على مليون 1000,000 والنتيجة 85 دولاراً في السنة، 85 دولاراً في السنة تصرف على أولادنا من أجل التعليم.
85 دولاراً ومع اعتبارات عدّة إن صدّقنا هذا: الأوّل أنّ عدد الطلاب هو في هذه الحدود لا أكثر وتلك مبالغة في تخفيض العدد، والثاني أنّ هذه التصريحات شملت الأعداد في سوريا برمّتها وليس في مناطق سيطرة النظام فحسب، والثالث أنّ مجّانية التعليم تعني عدم تكليف الطالب أيّ طالب بأيّة رسوم سواءٌ في التسجيل أو في القرطاسية أو في اللباس أو أيّ شيء من هذا القبيل وذا ليس صحيحاً، وإلى غير ذلك من اعتبارات إن أُخِذَت بعين الاعتبار فلن تتجاوز حصّة الطالب السوري الواحد في أفضل النتائج والمقاييس 20 دولاراً في السنة، 20 دولاراً والتعليم مجّاني، طبعاً مجّاني، هل يصرف أحد رقماً كهذا من أجل تعليم مدفوع فما هذا التعليم؟
فالمُشكلة أيضاً ليست هُنا، أعطني تعليماً حقيقياً وخُذ مالاً، وقبل ذلك أعطني المال الذي أستحقّه جرّاء عملي وتعبي وقدرتي وتعليمي وخُذ مالاً لقاء تعليم أولادي تعليماً حقيقياً، تعليماً بلا فولارالطلائع وبدلة فتوّة الشبيبة وخيام معسكرات جامعات البعث، ما للشعب ولاتّفاقاتكم مع الاتّحاد السوفييتي وأمريكا وإسرائيل كي تجعلوا الطالب يصيح: ثورة، عزّة، كرامة، سام، سام، سام، بعث بعث بعث؟ما علاقة طلابنا بصواريخ “سام” السوفييتي المصنوع سنة 1959 ؟ هكذا كانت تجري الأمور، وكان أستاذ “الفتوّة” لمن يتذكّرون من الأجيال وما قبله وما بعده بسنوات أهمّ وأخطر “الأساتذة” في المدرسة، مثله مثل “رئيس هيئة الأركان” في فرقة أو لواء عسكري.
منذ فترة قال أحد الأطبّاء لأحد الأذكياء الأشقياء: كان عنّا التعليم مجّاني وأنا تخرّجت على حساب الدولة، فأجابه وهكذا: ولك يا حكيم أنت تخرّجت عحساب أبوي اللي كان يشتغل بمعمل عند الدولة وياخد بالشهر راتب ما بيكفي أسبوع، وكل أسبوعين تلاتة يعزموهن على يوم عمل تطوّعي، ولك يلعن اللي عطاك الشهادة يا حكيم.
هذا حال التعليم في ظل حكم آل الأسد.